أنَّ ذِكر الله ودعاءه هو خير ما أُمضيت فيه الأوقات وصُرفت فيه الأنفاس، وأفضل ما تقرّب به العبدُ إلى ربّه سبحانه وتعالى، وهو مفتاحٌ لكلِّ خير يناله العبد في الدنيا والآخرة “.
فمتى أعطى (الله) العبدَ هذا المفتاح فقد أراد أنْ يفتح له، ومتى أضلَّه بقي باب الخير مُرْتَجاً دونه”.
فيبقى مضطربَ القلب، مُشَوَّشَ الفؤاد، مُشَتَّتَ الفِكر، كثيرَ القلَقِ، ضعيفَ الهِمَّةِ والإرادةِ، أمّا إذا كان محافظاًعلى ذِكر الله ودعائه وكثرةِ اللجأ إليه فإنَّ قلبَه يكون مطمئناً بذكره لربِّه {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} ، وينال من الفوائد والفضائل والثمار الكريمة اليانعة في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلاَّ الله تعالى.
قال ابن القيّم رحمه الله: “وأفضل الذِّكر وأنفعُه ما واطأ القلبُ اللسانَ، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذَّاكر معانيه ومقاصده”
قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً}
ويقول تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكَمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكَمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}
ويقول تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}
ويقول تعالى: {وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.
فأمر تعالى في هذه الآيات بذكره بالكثرة، وذلك لشدّة حاجة العبد إلى ذلك وافتقاره إليه أعظم الافتقار، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأيُّ لحظة خلا فيها العبدُ عن ذِكر الله عز وجل كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظمَ ممّا ربح في غفلته عن الله، وندم على ذلك ندماً شديداً عند لقاء الله يوم القيامة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبِّئُكم بخير أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعها في درَجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهبِ والورِق، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله” و عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَثلُ الذي يذكُرُ ربَّه والّذي لا يذكرُ ربّه مثَلُ الحيِّ والميِّت.
فوائد الذِّكر:
– أنّه يطردُ الشيطان ويقمعُه ويكسِرُ يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}
– أنّه يجلُبُ لقلب الذَّاكر الفرَحَ والسرورَ والرَّاحةَ، ويورثُ القلبَ السكونَ والطُّمأنينةَ، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}
– أنّه يورثُه ذكرَ الله له، كما قال تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
– أنّه يحطُّ الخطايا ويُذهبُها، ويُنجّي الذّاكرَ من عذاب الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما عمل آدميٌّ عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى”
– أنّه يترتّبُ عليه من العطاء والثّواب والفضل ما لا يترتَّبُ على غيره من الأعمال
– أنّه غِراسُ الجنَّة، فالجنّة كما جاء في الحديث قيعانٌ، وهي طيِّبةُ التُّربة، عذبة الماء، وغِراسُها ذكرُ الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقيتُ ليلةَ أُسريَ بي إبراهيمَ الخليل عليه السلام فقال: يا محمّد أَقرئ أُمَّتك منّي السلام، وأخبِرهُم أنّ الجنّة طيِّبةُ التُّربة، عذبةُ الماء، وأنّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر.
– أنّه يكون نورًا للذَّاكر في الدنيا، ونورًا له في قبره، ونورًا له في مَعَاده، يسعى بين يديه على الصِّراط، فما استنارَت القلوبُ والقبورُ بمثل ذكر الله تعالى.
قال اللهُ تعالى: {أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}.
– أنّه يوجبُ صلاةَ الله عز وجل وملائكتِه على الذّاكر، ومن صلَّى اللهُ عليه وملائِكتُه فقد أفلح كلَّ الفلاح، وفاز كلَّ الفوز.
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينِ رَحِيماً}.
– أنّه شفاءٌ للقلب، ودواءٌ لأمراضه، قال مكحول بن عبد الله رحمه الله: “ذكرُ الله تعالى شفاء، وذكرُ النّاس داء”.
– أنّه جَلاَّب للنِّعم، دافعٌ للنِّقم، فما استُجلِبت نعمة ولا استُدفِعت نِقمَة بمثل ذكر الله عز وجل، قال اللهُ تعالى: {إِنّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.
فالذِّكرُ من أكبرِ العونِ على طاعة الله، فإنَّه يحبّبُها إلى العبد ويسهِّلها عليه، ويلذِّذُها له بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجده الغافلُ ثم هو أيضاً يسهل الصعبَ، وييسِّرُ العسيرَ، ويخفّفُ المشاقَّ.
فما ذُكر اللهُ على صعبٍ إلا هانَ، ولا على عسيرٍ إلا تيسَّرّ، ولا مشقّةٍ إلا خفَّت، ولا شدّةٍ إلا زالت، ولا كُربَةٍ إلا انفرجت، فذكرُ الله هو الفرجُ بعد الشدّةِ، واليسرُ بعد العسرِ، والفرحُ بعد الغمِّ، فاللهم إياك نسأل، وبأسمائك وصفاتكَ نتوسّل أن تجعلنا من عبادِك الذاكرين، وأن تعيذَنا برحمتكَ من سبيل المُعرِضين الغافلين، إنَّك على كلِّ شيء قدير.