أذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
ذات يوم كان هناك معتقل كبير بالسن، يقال له أبو عبدالرحمن. كان رجلاً ذا هيبة ووقار وعقل حكيم متزن، وكان قد تعلم كثيراً من أمور دينه، ووصل بعقله الراجح ذاك إلى إيمان كبير بالله سبحانه وتعالى وقدرته على كل شيء.
إلا أن إيمانه الكبير ذاك كان يشوبه شك خطير، وهو الشك بقدرة الله على “كن فيكون”. فكيف يعقل ذلك! أن يحصل شيء بلمح البصر وبدون أي سابق إنذار أو توقع!
وكان في نفس المكان رجل آتاه الله من العلم، وكان الجميع هناك يحترمه لعلمه وينزلونه منزلة إمام المسجد، تماماً كما كانوا يحترمون أبا عبدالرحمن لعقله الراجح وسنه ووقاره.
وفي أحد أيام الجمعة كان الوقت ما بعد صلاة العصر، فقام ذلك الرجل “العالم” وتكلم بالناس، وراح يحدثهم عن أفضال يوم الجمعة وحمائده، وفضل قراءة سورة الكهف وما إلى ذلك من السنن في يوم الجمعة. ثم حدثهم عن الساعة التي يستجيب فيها الله الدعاء في يوم الجمعة، وقال لهم: “إن مما قيل أنها بين أذان العصر وغروب الشمس، فهيا ندعوا لعلّ الله يستجيب دعاءنا ويفرج عنا.” ثم طلب من عبد الرحمن أن يقوم هو بالدعاء حتى يؤمّن الناس بعده، فهو كبير السن وذو هيبة ووقار وعقل راجح.
وبدأ عبد الرحمن بالدعاء، فدعا والناس يؤمنون وراءه، وما زال يدعو حتى انهمرت الدموع وخشعت القلوب وتابت النفوس وعلت الأكف إلى السميع المجيب، وفي ذلك الموقف الجليل دعا عبدالرحمن ربه فقال: “يا من إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون، اجعل خلاصنا الآن يا الله…. الآن يا الله!”، وقد كان من رحمة الله أن قالها عبد الرحمن وما في قلبه الخاشع ذرة من شك!
وفي اللحظة ذاتها، وفي ذلك الموقف العصيب، فتح باب السجن وإذا بالسجّان ينادي: “فلان الفلاني، أحضر أغراضك وتعال فأنت ستخرج”، لقد كان ذلك اسم أبي عبدالرحمن!
فصعق عبدالرحمن، وتذكر بندم شكه السابق ودعاءه الآنف، ولم يشعر إلا ويد ذلك العالم على كتفه يدعوه للقيام بسرعة. فقام وذهب إلى باب السجن، ومشى من بين الناس الذين تعتريهم نوبة من الذهول، وقد اشتد بكاؤهم ودعاؤهم للسميع المجيب!