كيف تكون من الشاكرين لله في الحديث عن نعم الله وعن كثرتها وتنوعها ، وعن عجزنا عن حصرها وتقصيرنا في شكرها من الأهمية بمكان. ذلك أن نعم الله تعالى علينا في زماننا هذا وفي بلادنا هذه – حرسها الله – كثيرة وفيرة متنوعة، خيرات تترى ، وآلاء لا تحصى، فضلاً عن النعم العامة لكل أحد .
والناس ما بين جاهل بالنعمة أو مقصر بالشكر. وقليل منهم الذاكر الشاكر.
الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف، يقال: شكره وشكر له ، وأصل الشكر: الظهور
قال ابن منظور: (الشكر : مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية ، فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ،ويعتقد أنه موليها ، وهو من شَكِرَتِ الإبل تشكر : إذا أصابت مرعى فسمِنَتْ عليه ، والشكور من الدواب: ما يكفيه العلف القليل. وقيل الذي يسمن على قلة العلف ، كأنه يشكر وإن كان ذلك الإحسان قليلاً)
أن الشكر مبني على خمس قواعد لا يكون الشكر تاماً إلا بها :
القاعدة الأولى : خضوع بالشاكر للمشكور.
القاعدة الثانية :حبه له.
القاعدة الثالثة : اعترافه بنعمته .
القاعدة الرابعة : ثناؤه عليه بها .
القاعدة الخامسة : أن لا يستعملها فيما يكره .
فهذه الخمس هي أساس الشكر ، وبناؤه عليها . فمتى عُدِمَ منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة . فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها ، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضاً ،
ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها ، ومن عرف النعمة والمنعم بها وأقرَّ بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ولم يحبَّه ويرضى به ويرضى عنه لم يشكر أيضاً . ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقرَّ بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها .
فلا بد في الشكر من علم القلب وعمل يتبع العلم ، وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له . هذا معنى الشكر ، وبه يتضح أن الشكر يُؤدى بالقلب واللسان والجوارح .
وأما معنى الحمد ، فهو ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة ، مع المحبة والتعظيم .
أهل العلم يرون أن بين الحمد الشكر فرقاً . فالحمد يكون على النعمة ، وعلى الصفات والأفعال . يقال :حَمِدتُ فلاناً على ما أسدى إليَّ من النعمة . وحمدته على علمه وشجاعته وكرمه .
أما الشكر فلا يكون إلا على النعمة . فيكون الحمد أعم من الشكر . إذ لا يقال شكرته على علمه ، وهذا بالنسبة إلى سبب كل واحد منهما .
أما بالنسبة إلى ما يكون به الشكر والحمد، فإن الشكر أعم؛ لأنه يكون بالقلب واللسان والجوارح ،قال الشاعر : أفادتكم النعماءُ مني ثلاثة ………يدي ولساني والضمير المحجَّبا
وأما الحمد فإنه بالقلب واللسان دون الجوارح، فما يُحمد الرب تعالى عليه أعم مما يشكر عليه. فإنه يحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله ونعمه ، وما يحمد به أخص مما يشكر به، فإنه يشكر بالقلب واللسان والجوارح . ويحمد بالقلب واللسان.