شهر رمضان نسائم الخيرات وبشائر البركات
هذي نسائم الخيرات قد انتشرت، وبشائر البركات قد أقبلت، ومواسم العطايا والمنح قد أظلت.
قد جاء الشهر الذي تَشبَعُ فيه الأرواح، وإن جاعت البُطون، وتقوى فيه القلوب وإن ضعُفت الأجسام، وتسمو فيه النفوس وتعلو الهمم، وتهبِط اللذائذ، وتموت الشهوات.
قد جاء شهرُ المنافسةِ في الخيرات، والتسابق إلى الأعمالِ الصالحات، والتقربِ من رب الأرض والسموات، يشتري فيه المؤمنون أنفس ما يجدون، ويختارون لأنفسهم أرفع الأعمال وأزكاها، ويبادرون في مرضاة ربهم، ويبيعون الدنيا وحظوظَها بالفوزِ برحمة ربهم.
هذه الوقفات في بركات هذا الشهر وخيراته ونفحاته
1. الصوم لي، وأنا أجزي به.
في الحديث عن أبي هريرة أن النبي قال: ((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)).
فالصوم عبادة السر بين العبد وربه، لا يعلم أحد من الناس بإمساكك عن الطعام والشراب لأجل الله، إلا أن تخبرهم بذلك، ومن يحول بينك وبين الأكل والشرب حين تغلق الأبواب، وترخى الستور، وتخلو بنفسك، حيث لا يراك أحد من الإنس؟ إنما الخوف من الله، والطمع في ثوابه، والرجا بحسن لقائه هو الذي يحول بينك وبين الأكل والشرب.
2. الصبر العطاء الواسع العظيم.
الصبر من أعظم الأخلاق وأنفعها، فبه تنفتح وجوه الآراء، وتستدفع مكائد الأعداء؛ فإن من قل صبره عزب رأيه، واشتد جزعه، فصار صريع همومه، وفريسة غمومه.
3. صوم القلب.
القلب هو محل السعادة والشقاء، والإيمان والكفر، واليقين والشك، وإنما فرض الصيام لأسرار وحكم لا يدركها من كان أكبر همه أن يمتلأ بطنه بعد طول فراغ، وأن يطفئ حرارة الجوع، وشدة العطش، عند مغيب الشمس، وذلك آخر عهده بالصوم.
إنما فرض الصوم ليسل من الصدور سخائمها، وليرفع عن القلوب أوضارها، وليؤت النفوس زكاتها وتقواها.
4.صوم اللسان.
إذا صام القلب عن الهموم والإرادات الفاسدة، صامت الجوارح عن الآثام والأعمال الباطلة، وأعظم الجوارح اللسان، فقل أن تجد أحدا من الناس يطيق أن يمسك لسانه، بل ما أكثر المتهاونين به، الخائضين به في كل حديث، والوالغين به في كل عرض، المجادلين به في كل باطل. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم)).
5. السحور بركة!
عن أنس بن مالك _ قال: قال النبي ‘: ((تسحروا؛ فإن في السحور بركة)).
البركة هي نزول الخير الإلهي في الشيء، وثبوته فيه، والزيادة في الخير والأجر، وفي كل ما يحتاجه العبد من منافع الدنيا والآخرة.
والسحور إنما يكون وقت السحر، قبيل أذان الفجر.
6. القيام بين يدي الملك.
الصلاة هي قرة عيون المتقين، وراحة قلوب الموحدين، بها تزال الهموم، وتبعثر الغموم، وتحط الذنوب، حين يقف العبد الحقير بين يدي ربه وقفة الذل والانكسار والخضوع، ساكن الجوارح، حاضر القلب، خاشع البصر، يرجو رحمة ربه، ويحذر الآخرة. صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه)).
7. ليلة خير من ألف شهر
الصوم يغفر ما تقدم من الذنوب، والقيام يغفر ما تقدم من الذنوب، وقيام ليلة واحدة يغفر ما تقدم من الذنوب صح عن النبي ‘ من حديث أبي هريرة أنه قال ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) .
8. للصائم فرحتان؟!
بالصوم يفرح المؤمنون حين تحين ساعة الإفطار بعد مدة من الامتناع عنه، والله يثيبنا على ذلك، بل يعده نبينا ‘ من الفرح المحمود، الذي يفرح به المؤمن.
الفرحة الثانية العظيمة، حين يلقى العبد ربه، في ذلك اليوم العصيب، فيرى آثار الصيام ظاهرة، وبركاته منتشرة، فيدخله الصيام من باب الريان، ويشفع له عند المليك الديان، فيفرح المؤمن بلقاء الله حين يرى عظيم الثواب.
9. لعلكم تتقون.
التقوى خير الزاد، وخير اللباس، وصية الله للأولين والآخرين، وهي العدة في الشدائد، والعون في الملمات، ومهبط الروح والطمأنينة، ومتنزل الصبر والسكينة. ورمضان شهر التقوى، وقد صرح الله بالحكمة من فرض الصيام بقوله {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }.
والتقوى هي: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، وإنما تكون بالعلم النافع، والعمل والصالح.