تعرف على أنظمة الاتصال في الحرب العالمية الأولى
الحرب العالمية الأُولى يُشار إليها أحياناً بالحرب الحديثة الأُولى وذلك للعدد الهائل من التقنيات والابتكارات التي ظهرت في فترة الحرب والتي استمرت من 1914 إلى 1918 وراح ضحيتها 17 مليون إنسان تقريباً.
أغلب هذه الاختراعات ظهرت في مجال الاتصالات وقد كان العالم حديث عهد وقتها بالكهرباء والاتصالات اللاسلكية، خلقت هذه التقنيات بالإضافة للتطور في مجال الطيران والدبابات والأسلحة الكيميائية ثورة في شكل الحرب ونتائجها.
الاتصالات كانت من العوامل الحيوية في الحرب العالمية الأولى وعند انقطاعها النتائج كانت دائماً مميتة، فقد كانت الجنود في الصفوف الأولى بحاجة إلى وسيلة اتصال لمعرفة أماكن زملائهم بينما اعتمد القادة خلف خطوط المواجهة على وسائل الاتصال أيضاً لإمدادهم بالمعلومات التي تساعدهم على اتخاذ القرار.
الإشارات
أغلب الجيوش في الحرب العالمية الأولى لم تعتمد بشكل كبير في الحرب أو على الأقل في وقت مبكر منها على التكنولوجيا وما قدمته من وسائل، فالجيش البريطاني مثلاً حتّى عام 1915 كان لا يزال يستخدم مصابيح البارافين “نوع من الزيوت أو الدهون” لإرسال الرسائل بشفرة مورس ولإرسال الرسائل لمسافات اطول كان يستخدم عدسات خاصّة لتركيز الضوء ليمتد إلى مسافات أطول، استخدم الجيش البريطاني الإشارة بالإعلام لنفس الهدف أيضاً حيث كان بإمكان محترف هذه الطريقة ان يرسل 12 كلمة في الدقيقة.
استخدم الجنود في تلك الحرب أيضاً جهاز بدائي يطلق عليه الهيليوجرام والذي يعتمد على أشعة الشمس ويستخدم شفرة مورس لإرسال الرسائل لمسافات قد تصل إلى 30 ميلاً بسرعة 16 كلمة في الدقيقة. كما استخدموا الصفّارات أيضاً لنفس الهدف ولكن كان مداها أقل وأبطأ من الوسائل الأخرى.
الكلاب والطيور
كل الجيوش الرئيسية تقريباً والتي شاركت في الحرب العالمية الأولى استخدمت الطيور لنقل الرسائل والمعلومات في حال غياب خطوط الهاتف أو تدميرها، في عام 1918 مثلاً تم منح أحد ميداليات الشجاعة إلى حمامة تدعى Cher Ami وذلك لحملها رسالة من مجموعة من الجنود الأمريكيين المعزولين مما ساهم في إنقاذ 194 جندياً.
الكلاب المدربة كان لها دوراً في نقل الرسائل أيضاً حيث تتميّز بأنها أسرع من الإنسان وتستطيع أن تجتاز الطرق الموحلة والوعرة بسهولة عن السيَارات كما ان الكلاب كانت لا تمثل هدفاً واضحاً لقنّاصة الأعداء.
أكثر من 20 ألف كلب خدم في الحرب العالمية الأولى معظمها كلاب منزلية تم التبرع بها، في ذلك الوقت أُنشئت مدراس لتدريب الكلاب يمكن لأحد الكلاب التي تتخرج من تلك المدارس أن تقطع مسافات تصل إلى 20 كيلومتراً في ساعة أو ساعتين.
الكهرباء
عام 1879 عندما قدّم ثوماس إديسون اختراعه الشهير المصباح الكهربائي ولأول مرّة في التاريخ استطاع القادة العسكريين تعبئة أعداد كبيرة من الجنود وشنّ هجمات مصيرية معتمدين في ذلك على أضواء صناعية وليس ضوء النهار، واعتمدوا في تشغيل وتطوير كل العتاد مثل السفن والطائرات والدبابات والشاحنات على الكهرباء.
السفن الحربية مثلاً استخدمت المصابيح الكهربائية في الإشارة والتحذير والتواصل مع القادة على الشاطئ والتي تعد أكثر دقة وأماناً من الشعلات النارية، تم استخدام الكهرباء أيضاً للتحكم في المدافع والرشاشات الآلية وعدادات الوقود والماء وأجهزة الإنذار والتحكم عن بعد. بالإضافة لذلك كان للكشافات الكهربية عالية الإضاءة والتي يصل تأثيرها إلى 5 أميال دوراً هاماً في الهجوم والدفاع عن السفن فتم استغلالها للتأثير على رؤية الجنود المهاجمين للسفينة والكشف عن الطائرات المقاتلة والسفن الأخرى.
الهاتف والتلغراف
ساهمت الهواتف التقليدية في تسهيل التواصل بين الوحدات المختلفة في أرض المعركة وكان النظام ذا مدى طويل وفعّال طالما لم تتأثر الأسلاك لذلك فقد كانت الخنادق المكان الأفضل لمدها ورغم ذلك فقد كانت أقدام الجنود وقذائف العدو عاملاً قوياً في تدميرها من حين لأخر. وعندما يتقدم الجيش كانت هناك وحدات خاصة من الجنود تقوم بمدّ الأسلاك إلى المناطق الجديدة التي تم الاستيلاء عليها.
تعتبر الحرب العالمية الأولى أكثر حرب استخدمت فيها الخنادق وكانت هناك خنادق خاصة لمدّ أسلاك الهاتف فقط، التلغراف أيضاً كان له دوراً حيوياً في الاتصالات بعيدة المدى ولكنه يتطلب وقتاً أطول في التشفير والإرسال.
الراديو
تم اكتشاف موجات الراديو واستخدامها في بعض الاتصالات بفترة قبل الحرب فقد استخدمتها السفن مثلاً لإرسال رسائلها المشفرّة بشفرة مورس كما اعتمدت عليها سفينة تايتانيك الشهيرة للتواصل مع اليابسة والسفن الأخرى في عام 1912، أضافت موجات الراديو بعداً أخر للاتصال حيث وفرت أنظمة اتصال أكثر سرعة ودقة عن الأنظمة الموجودة في ذك الوقت ومع استمرار التطوير ظهر الاتصال الصوتيّ اللاسلكي الذي كان من أبرز وسائل الاتصال الفعّالة في وقت الحرب.
استخدم الاتصال اللاسلكي لتحذير الجنود من قنابل الغاز السام ليتمكنوا من وضع أقنعتهم كما استخدم للتواصل بين الجنود وبين القادة ووحدات الجيش المختلفة في البحر والجو والبرّ، ولعلّ الدور الذي أظهر انه لا غنى عن هذا النوع من الاتصال هو دوره في التواصل مع المناطيد والطائرات.
في ذلك الوقت كانت الهواتف والتلغراف تتميّز بخفّة الحركة وسهولتها عن معدات اتصال الراديو لما كانت عليه تلك المعدات من ضخامة في ذلك الوقت ولكنها في نفس الوقت كانت أكثر استقرارا وأماناً لعدم وجود أسلاك يمكن إتلافها.
من أبرز مشاكل اتصال الراديو في ذلك الوقت أيضاً كانت سهولة التنصت على الاتصال من قبل الأعداء لذلك كان لابد من تطوير أنظمة تشفير مختلفة لا يمكن للعدو فكها.